المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةاقتصاد

معوقات تعرقل تنوع اقتصادات دول الخليج

قال تقرير لوكالة اس اند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية إن تركيز واعتماد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على قطاع النفط والغاز، الذي بلغ في المتوسط %30 من الناتج المحلي الإجمالي و%60 من إجمالي الصادرات خلال العامين 2016-2015 – حتى مع الأخذ بعين الاعتبار انخفاض أسعار النفط – يمكن أن تشكل عاملاً سلبياً للائتمان إذا لم تقابل بهوامش مالية كبيرة. وبالرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يدعم الاقتصاد، تعتقد الوكالة أن توجهات الاقتصاد الضيق تكون أكثر عرضة لتقلبات دورة أعمال القطاع الرئيسية، مما يزيد من تقلب نموها، وإيراداتها الحكومية العامة، وإيرادات الحساب الجاري لديها.
ولتوضيح نقطة الضعف هذه، أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد، وإلى تراجع في الأرصدة المالية والخارجية للدول المُصدِّرة الصافية للنفط في منطقة الشرق الأوسط. وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى متوسط بلغ %2.5 للفترة ما بين 2016 ـ 2014، نصف معدل الفترة الممتدة ما بين 2013 ـ 2011. بالمقابل، بدأت بعض الحكومات في المنطقة تسجيل عجز في الحساب الجاري والمالية العامة خلال هذه الفترة، بينما كانت تحقق فوائض ثابتة قبل عام 2014.
وأوضحت «إس أند بي غلوبال» أن نضوب موارد النفط والغاز في معظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قد لا يكون وشيكاً، إذ تعمل نماذجها الاقتصادية الحالية بشكل جيد نسبياً. ويتراوح عمر إنتاج النفط والغاز بالمستويات الحالية بحسب تقديرنا ما بين 98 عاماً لدى قطر و9 أعوام لدى البحرين. مع ذلك، فإن فوائد التنويع، بعيداً عن قطاع إيراداته تحركها إلى حد كبير أسعار السوق المتقلبة واضحة من حيث تحقيقها لنمو اقتصادي أكثر استقراراً، إلى جانب الإيرادات الحكومية وإيرادات التصدير.
وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي ارتفع في المنطقة منذ عام 20000، شهد معدل النمو انخفاضاً تدريجياً خلال السنوات الثلاث الماضية، تزامناً مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي، مما يشير أيضاً إلى أن جهود التنويع لم تؤت ثمارها حتى الآن.
وأعلنت الحكومات الخليجية عن خطط تنويع طموحة، بعضها قائم منذ سنوات عدة. وقد اكتسبت هذه الخطط مؤخراً زخماً جديداً بعد الانخفاض الحاد والمستمر في أسعار النفط. وقامت الحكومات بوضع خطط للتنمية الوطنية، أو ما يطلق عليها في تلك الدول «الرؤى» بفترات تمتد ما بين 20 و25 عاماً، عادة تتضمن استراتيجيات مدتها الوسطية خمس سنوات، والتي تساعد في تقييم ما إذا كانت البلاد على المسار لبلوغ أهدافها الاقتصادية القريبة المدى.
وتستهدف استراتيجيات الحكومات الخليجية بشكل عام التنويع من خلال توسيع قطاعات، مثل السياحة، والأعمال، والخدمات المالية، إلى جانب الخدمات اللوجستية. ومن وجهة نظر «إس آند بي غلوبال»، فإنه من المرجح أن يستغرق ذلك عقداً أو حتى الانتقال إلى جيل قادم، كما أن المعوقات الهيكلية ستعرقل الانتقال إلى اقتصادات أكثر تنوعاً.

معوقات التنويع:

1- نظام صرف العملة الأجنبية
نظراً إلى أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مقوّمة بتدفقات الدولار الأميركي المرتبطة بصادراتها من النفط والغاز، نعتقد بأن ارتباطها بسعر صرف الدولار (تجدر الإشارة إلى أن الدينار الكويتي مرتبط بسلة من العملات يُعتَقد بأنها مرتبطة بالدولار) يبقى ملائماً لاقتصاداتها، مما يوفر لها ركيزة اسمية للتضخم. ونتوقع بقاء الارتباط على حاله في المدى المتوسط، لا سيما أن صادراتها غير النفطية تبقى جزءاً محدوداً نسبياً من اقتصاداتها. مع ذلك، نرى أن الارتباط يعيق قدرة اقتصادات دول المجلس المحدودة للتنافس على الأسعار في أسواق التصدير غير النفطية. وبالنتيجة، يبقى تطوير الأنشطة المرتبطة بالقطاع غير النفطي ضعيفاً في ظل غياب أي تعويض عن مكاسب الكفاءة أو القدرة التكنولوجية.

2- المناخ
يتسم المناخ عموماً في دول مجلس التعاون الخليجي بأنه صحراوي، حيث يتراوح متوسط درجات الحرارة السنوي بين 15 و40 درجة مئوية. من جهة أخرى، يعتبر المناخ مساعداً للسياحة في معظم شهور السنة. ويقيد الارتفاع الحاد في درجات الحرارة تطوير الزراعة إلى جانب ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة.
وبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة بحسب تقديرات البنك الدولي 766 مترا مكعبا في دول مجلس التعاون في عام 2014 مقارنةً مع المتوسط العالمي البالغ 5.925 أمتار مكعبة، ويبلغ متوسط نسبة الأراضي الصالحة للزراعة %1 من إجمالي المساحة البرية في المنطقة مقارنةً مع متوسط النسبة العالمية البالغ %11. وتستورد دول الخليج معظم احتياجاتها من المواد الغذائية تقريباً ومعظم السلع الاستهلاكية والرأسمالية الأخرى. مع ذلك، فإن تطوير الزراعة، إلى جانب القطاعات الأولية الأخرى، غالباً ما يسبق التحول إلى التصنيع (القطاع الثانوي) والخدمات (القطاع الثالث). ونظراً للتحديات الجغرافية التي تواجهها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها لم تتطور بما يتماشى مع هذه النظرية.

3- التعليم والمهارات
نظراً للانخفاض في أسعار النفط والضغط على المالية العامة، تحاول حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحفيز التنويع الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص. من وجهة نظر «إس أند بي غلوبال» فإن هذا سيتطلب تعزيز مهارات القوى العاملة في دول الخليج. ومن المرجح بأن تكون الوظائف ذات الأجور المرتفعة في القطاع الخاص فقط هي الجذابة لإغراء المواطنين للابتعاد عن العمل في القطاع العام، في ظل استبعاد حدوث انخفاض حاد في أجور القطاع العام. مع ذلك، تبقى المجالات التي سيتم فيها استحداث فرص العمل في القطاع الخاص غير واضحة. وبكل الأحوال ستحتاج العمالة المحلية إلى الكثير من التدريب والتعليم لكي تكون مؤهلة لهذه الوظائف. وترى الوكالة أن الاستثمار في التعليم سيستغرق وقتاً حتى يؤتي ثماره.
ويمكن اعتبار متوسط عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة حول العالم مثالاً عن رأس المال البشري الذي يمتلكه السكان في وقت ما. بهذا الخصوص، تُظهر البيانات بأن التعليم يتوسع باستمرار في دول مجلس التعاون الخليجي. وواصل متوسط عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة ارتفاعه في المنطقة وتخطى معدل النمو متوسط معدل النمو العالمي. مع ذلك، لا يزال على دول مجلس التعاون الخليجي القيام ببعض الخطوات البسيطة.
وبالرغم من أن توسيع التعليم من المرجح أن يؤدي إلى تشجيع التنوع الاقتصادي، إلا أنه لا يزال على دول الخليج الكثير للقيام به في ما يتعلق بتحسين جودة التعليم، وتحديداً ما يتعلق بمخرجات التعليم وجودة التدريس. فبينما ارتفع عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة في المنطقة، إلا أنه قد تكون هناك حاجة لمعالجة نقاط الضعف الهيكلية في النظام التعليمي قبل تطوير عمالة ذات مؤهلات ومهارات قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي.

4- الانفتاح على ممارسة الأعمال
قامت معظم دول مجلس التعاون الخليجي بإجراء إصلاحات صديقة للأعمال، كإنشاء مناطق للتجارة الحرة، والحوافز الضريبية، وتخفيف القيود الجمركية وغير الجمركية؛ بهدف جذب التدفقات الاستثمارية الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر في القطاعات غير القائمة على الموارد، وبهدف تعزيز الانفتاح على الأعمال في المنطقة.
ومن المتوقع أن تساعد الإصلاحات في تحسين مقياس المسافة من الحد الأعلى للأداء. هذا المقياس يقيس مسافة كل اقتصاد إلى «الحد الأعلى للأداء»، والذي يمثل أفضل أداء تم تسجيله لدى كل المؤشرات في جميع الاقتصادات في عينة «قياس أنشطة الأعمال» للبنك الدولي منذ عام 2005. مع ذلك، فقد اختلفت الديناميكيات على الصعيد الإقليمي خلال العقد الحالي، حيث حافظ الأداء على تحسنه في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما تراجع لدى كل من قطر، والكويت، وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية. وترى «إس أند بي غلوبل» أن توقف تنفيذ الإصلاحات الصديقة للأعمال الذي شهدته الدول المجاورة لدولة الإمارات العربية المتحدة سيقيد على الأرجح التدفقات الداخلة لرأس المال الأجنبي، مما سيحد من قدرة دول الخليج على تحفيز النمو الاقتصادي الذي يحركه القطاع الخاص.

5- جاذبية العمل في القطاع العام
تمكنت حكومات مجلس التعاون الخليجي نظراً للحجم الصغير نسبياً لعدد السكان والإيرادات الكبيرة المتأتية من النفط والغاز من الحفاظ على نظام من الدعم الطويل الأمد من القطاع العام لمواطنيها. تضمّن ذلك توفير الكهرباء، والتعليم، والرعاية الصحية والسكن بشكل مجاني، بالإضافة إلى التوظيف الواسع النطاق للمواطنين في القطاع العام (تظهر بيانات المقارنة لصندوق النقد الدولي للفترة ما بين العامين 2013 و2014 أن نسبة توظيف المواطنين في القطاع العام تراوحت ما بين %37 في البحرين إلى %87 في قطر). ويستفيد العاملون في القطاع العام حالياً من مميزات كبيرة مقارنةً بالعاملين في القطاع الخاص، مع رواتب مرتفعة وزيادة الأمن الوظيفي، مما يسهم في محدودية كفاءة سوق العمل، كون جاذبية القطاع العام أدت إلى تراجع الحوافز لدى المواطنين المحليين للتقدم للعمل في القطاع الخاص. وبالتالي، نظراً لارتفاع مستوى المعيشة والتوازن بين الحياة والعمل نسبياً لدى السكان المحليين، فإن تطوير قطاع صناعي أو خدمي تنافسي يحتاج إلى عمالة كبيرة قادرة على جذب المواطنين العاملين في القطاع العام بعيداً عن هذا القطاع يبدو أنه يشكل تحدياً كبيراً. وإذا لم تتم معالجة هذه الضغوط الاجتماعية فإنها ستؤدي إلى الحد من إمكانية التنويع الاقتصادي. قامت حكومات مجلس التعاون الخليجي بتحفيز سياسات إدخال الحصص، من بين إجراءات أخرى، لتشجيع استبدال مواطنين بالموظفين الوافدين العاملين في القطاع الخاص. مع ذلك، ترى «إس أند بي غلوبل» أن ذلك لا يعالج مسألة عدم تطابق المهارات بين المواطنين والوظائف في القطاع الخاص.
وتشكل المرأة نتيجةً للأعراف الاجتماعية جزءاً محدوداً أيضاً من القوى العاملة، حيث بلغ متوسط نسبة مشاركة النساء اللاتي يبلغن 15 عاماً وأكثر %38.7 في عام 2016، بينما يبلغ متوسط مشاركتها في الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع نحو %52. في موازاة ذلك، تفوقت نسبة التحاق النساء اللاتي يبلغن 15 عاماً وأكثر في التعليم العالي (الثانوي والعالي) على الرجال، ما يشير إلى أن الاستفادة من المواهب مقيد حالياً في المنطقة.
إن تغيير هذه الأعراف الاجتماعية للحد من التوظيف في القطاع العام، وزيادة التوظيف في القطاع الخاص، وتشجيع مشاركة النساء في سوق العمل لن يكون بالأمر السهل.

6- تشابه خطط التنويع
إن تطوير القطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، مثل الخدمات المالية يمكن أن يكون إحدى طرق تعزيز التنويع الاقتصادي، نظراً لقدرته على توفير فرص عمل بأجور مجزية، مصممة لتناسب مستويات المعيشة المرتفعة نسبياً لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن تطوير اقتصاد تنافسي لقطاع الخدمات قد يزيد من مخاطر تطور اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على حساب بعضها الآخر. هذا لا يعني القول إنه لن يكون هناك منافسون، لكن العديد من خطط التطوير للحكومات الخليجية تستهدف المجالات نفسها كالسياحة، والخدمات المالية، والخدمات اللوجستية. ومن وجهة نظر «إس أند بي غلوبال» فإن هذا قد يؤدي إلى تداخلات كبيرة في تزويد هذه الخدمات.

التنويع يبقى هدفاً

ترى «إس أند بي غلوبال» أن التحديات التي تواجه التنويع الاقتصادي لدى دول الخليج تبقى كبيرة، كما أن خطط الحكومات الممتدة لـ20 و30 عاماً طموحة، مع الحاجة لإحراز تقدم كبير إذا ما أريد لهذه الخطط أن تتحقق. وبهدف تعزيز تطوير القطاع الخاص، ستكون اقتصادات دول الخليج قادرة على التخفيف من تعرضها للتقلبات السلبية لأسعار النفط وتعزيز النمو الاقتصادي الطويل الأجل، التي نرى بأنها تشكل عوامل دعم لتصنيفاتها الائتمانية.
وتقول الوكالة: «إن ارتباط سعر الصرف والمناخ في هذه الدول لا يتماشيان مع خطة النمو التي قادها النمو الذاتي لقطاع الصناعة الذي شهدته دول أخرى معتمدة على النفط والغاز عندما توجهت نحو التنويع. وقد يسهم تحسين التعليم والقيام بتغييرات مجتمعية على نطاق أوسع في دعم تطوير القطاع الخاص أيضاً. حتى اليوم حققت أنشطة التكرير والتوزيع نجاحاً كبيراً، لكنّ مكامن المزايا التنافسية للمنطقة، خارج نطاق النفط والغاز، تبقى غير واضحة. أصبحت دبي نموذجاً لما يمكن تحقيقه، ولكن إجراء المزيد من التطوير على الخدمات المالية، والخدمات اللوجستية، والسياحة يمكن أن يؤدي إلى حد ما إلى تفكيك نجاح

الشركات الراسخة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى