المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

مليارديرات ينقذون الصحف المتعثرة!

«الصحف ينتظرها مستقبل مظلم.. نحن نمتلك صحيفة بافالو نيوز، ونأمل أن نصمد أكثر من أي ناشر آخر».
هذا ما تنبأت به شركة أوراكل أوف أوماها في نوفمبر 2009، وما أن حلّ نوفمبر 2011، حتى اشترت شركة بيركشاير هاثواي، التي يملكها الملياردير وارن بافيت، صحيفة «أوماها وورلد هيرالد»، إضافة إلى عمليات استحواذ أخرى قامت بها مجموعة «بي اتش ميديا غروب» B H Media، التي تمتلك 31 صحيفة يومية، و47 صحيفة أسبوعية، و32 «مطبوعة أخرى»، ومحطة تلفزة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأميركية.
ولم يمض وقت طويل حتى أعلنت BH Media أنها تقوم بتسريح 148 موظفاً ولن تملأ 101 وظيفة شاغرة، لما مجموعه 249 وظيفة، تمثل حوالي %6 من قوة العمالة فيها.
وتتضمن هذه التسريحات 43 موظفاً في صحيفة «اوماها وورلد هيرالد».

نقلت صحيفة «بيزنيس إنسايدر» عن الرئيس التنفيذي لشركة BH Media وناشر صحيفة أوماها وورلد هيرالد تيري كروغر، قوله ان انخفاض إيرادات الإعلانات يمثل «حقيقة قاسية» في صناعة الصحافة، مرددًا ما ادركه بافيت بالفعل في عام 2009.
أنحى كروجر باللائمة على التجارة الإلكترونية التي تسببت في قيام عدد كبير من عملائها المحليين والوطنيين بتقليص إنفاقهم على الإعلانات بسبب الخسائر التي لحقت بهم نتيجة الإتجار الالكتروني.
وهذه هي الدفعة الثانية من التسريحات خلال عشرة أشهر، ففي أبريل 2017 أعلنت الشركة عن الاستغناء عن خدمات 289 موظفاً، اضافة إلى ابقاء 108 وظائف شاغرة.

لحظة حرجة
يقول كروغر إن الشكة تمر «بلحظة حرجة»، حيث عانت الصحف المطبوعة من «تزايد شعبية البيئة الرقمية».
ويضيف ان المعلنين الإقليميين والوطنيين يتعرضون للاضرار من قبل تجار التجزئة على الإنترنت، مما يضطرهم إلى تقليص إعلاناتهم المطبوعة.
ويحتل بافيت المركز الثالث على قائمة بلومبيرغ للأثرياء بـ 82 مليار دولار، فلماذا – إذا كان ينتظر الصحف «مستقبل مظلم» – يواصل المليارديرات من أمثاله الذين يُفترض أنهم يتمتعون بعقليات تجارية فذة شراء هذه الصحف؟في وقت سابق من شهر فبراير عام 2018، استحوذ باتريك سون شيونغ، قطب التكنولوجيا الحيوية الذي يحتل الرقم 175 في مؤشر المليارديرات (8.6 مليارات دولار)، على صحف لوس أنجلوس تايمز وسان دييغو يونيون تريبيون، وهوي لوس أنجلوس الناطقة باللغة الاسبانية، فضلاً عن صحف محلية أخرى.
ووافقت شركته الاستثمارية الخاصة، «نانت كابيتال» على دفع مبلغ 500 مليون دولار وستتولى تسديد 90 مليون دولار من التزامات المعاشات التقاعدية.
يؤكد شيونغ أنه «في نهاية المطاف، هذا القرار شخصي جدا بالنسبة لي، فأنا كشخص نشأ في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أفهم الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في مجتمع حر».
وأعلنت صحيفة نيويورك تايمز أن الصفقة «وضعت حداً لفترة مضطربة تميزت بإطاحة كبار مسؤوليها وايقاف ناشر الصحيفة اضافة إلى الاحتجاجات النقابية».
وسادت في الأشهر الأخيرة، حالة الإحباط في غرفة الأخبار داخل صحيفة نيويورك تايمز ثم انتشرت إلى الرأي العام عندما نشرت صحف نيويورك تايمز وهافينغتون بوست وغيرهما، مقالات عن التوترات بين الموظفين وإدارة الصحيفة التي تبلغ من العمر 136 عاما.
كان البائع هو «ترونك»، ثالث أكبر دار نشر صحف في الولايات المتحدة (وناشر شيكاغو تريبيون)، التي يمتلك فيها مايكل فيرو-الابن، %28.

بداية النهاية
وفي نوفمبر 2017، كرّس تشارلز وديفيد كوخ، اللذان يحتلان المركزين 12 و13 على قائمة بلومبيرغ للمليارديرات (48 مليار دولار لكل منهما)، أموالهما للاستحواذ على شركة تايم، ناشر مجلة تايم ومجلة المصور الرياضي ومجلة بيبول، وضخا مبلغ 650 مليون دولار. وعلى الرغم من المشاركة النشطة للأخوين كوش في المشهد السياسي، ورد في بيان الصفقة إن شركةKoch Equity Development لن يكون لها مقعد في مجلس إدارة ميريديث ولن يكون لها أي تأثير في عمليات «ميريديث» التحريرية أو الإدارية.
قد تمثل هذه الصفقة بداية النهاية لواحد من أشهر ناشري المجلات، والتي لفتت عناوينها ذات يوم، انتباه زعماء العالم وأرّخت لأحداث العالم البارزة.
وفشلت الشركة في مواكبة التحول في صناعة من الطباعة إلى التكنولوجيا الرقمية التي جعلت المجلات تقليدا عفا عليه الزمن وتسببت في انهيار شركات نشر تحت ضغط تراجع الإعلانات المطبوعة والتوزيع.
وفي أبريل 2017، اشترى رون بيرلمان، الذي يحتل المركز رقم 57 على قائمة بلومبيرغ للمليارديرات (18 مليار دولار)، صحيفة The Independent، وهي صحيفة أسبوعية مجانية مقرها إيست هامبتون.
وقال في رسالة مفتوحة: «أنا مؤمن بشدة بالتقاليد والتاريخ، والحفاظ على الصفات التي تجعل مجتمعنا قوياً للغاية». وفي عام 2015، اشترى شيلدون أديلسون، (رقم 20 على قائمة المليارديرات بـ38 مليار دولار)، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة لاس فيغاس ساندس وإمبراطوريتها للمقامرة، التي تمتد عبر لاس فيغاس وسنغافورة وماكاو، مجلة فيغاس ريفيو-جورنال.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز إن سؤال الـ140 مليون دولار ما يزال بلا إجابة، وهو: لماذا يشتري أديلسون ابن الـ82 عاماً، وعائلته، الصحيفة بهذا الثمن الباهظ؟ وهذا السؤال مهم للكثيرين في نيفادا، لأنه ربما يكون الشخصية السياسية الأقوى في الولاية.
وترى الصحيفة انه عندما يتعلق الأمر بمصالحه الخاصة، فإن أديلسون ليس بالشخص السهل.

مستقبل مظلم
وفي أكتوبر 2013، استحوذ جيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون (رقم 1 على قائمة بلومبيرغ للمليارديرات بـ123 مليار دولار)، على صحيفة واشنطن بوست، عبر شركته الاستثمارية الخاصة «ناش هولدينغز»، مقابل 250 مليون دولار.
وفي أغسطس 2013، استحوذ جون هنري، مالك شركة Red Sox غير الموجود حالياً، على قائمة المليونيرات، على صحيفة بوسطن غلوب مقابل 70 مليون دولار.
في عام 2007، استحوذ روبرت ميردوخ (رقم 85 الحالي على قائمة المليارديرات)، على جريدة «وول ستريت جورنال» مقابل 5 مليارات دولار عبر شركته «نيوز كوربوريشن»، من عائلة بانكروفت، المالكة للصحيفة منذ أكثر من 100 عام. إذاً، ما الذي يريده أصحاب المليارات من امتلاك صحف ينتظرها «مستقبل مظلم»، على حد تعبير بافيت عام 2009، قبل أن يبدأ هو نفسه، في شراء الصحف؟
بالنسبة للأثرياء الذين يشترون ويديرون الصحف فهو ممارسة راسخة، جلبت لهم مشاريع الإعلام المطبوع ثروة هائلة. وكان ويليام راندولف هيرست، من أشهر أقطاب الصحافة. وهناك الكثير من أصحاب المليارات في هذه الأيام، الذين تضخمت أسعار أصولهم عما كانت عليه لدى اندلاع الازمة المالية العالمية عام 2008. وربما تكون وسائل الإعلام المطبوعة في النزع الأخير، لكن النسخ الالكترونية لبعضها لها عدد كبير ومتنامٍ، من القراء. ومع ذلك، فربما تُمنى بالخسائر.

الشعار الجديد للصحف: لا أخبار عديمة الفائدة

مع المزيد من التحول الى الإعلام الرقمي، والانتشار الواسع لوسائل التواصل الإجتماعي في كل مكان، زادت معاناة الصحف المحلية.
ومع ذلك، تشهد منطقة غلوسسترشاير (بريطانيا) حالة انبعاث نابض بالحياة للصحافة الورقية، إذ قرر الصحافيان سايمون هاكر ومات بيغوود اللذان كانا يشعران بالقلق من تراجع الصحافة المحلية، اصدار جريدتهما الخاصة التي تغطي قرى غلوسسترشاير وما حولها، تحت اسم «ووتون تايمز» على ان تصدر مرة كل شهر، وقد وصل توزيعها الى أربعة آلاف نسخة.
وتشير صحيفة غارديان الى ان القائمين على الصحيفة رفعوا شعار انه «لا توجد أخبار عديمة الفائدة»، وهم يطبقون ذلك عملياً حتى الآن.
يقول هاركر رئيس تحرير الصحيفة إن «كثيرين كانوا يشعرون بالقلق إزاء نجاح هذه التجربة»، ولكن هناك سبباً أكثر جدية وراء مشروع اصدار الصحيفة، وهو ان تقريرا حول استدامة الصحافة العالية الجودة وجد أن عدد صحافيي الصحف المطبوعة في المنطقة انخفض من 23 ألف صحافي في عام 2007 إلى 17 ألفاً في عام 2016.
وقد أتاح تآكل التقارير عن الاوضاع المحلية، لبعض السلطات المحلية، تجنب المساءلة، وهو الأمر الذي تترتب عليه عواقب وخيمة، فقد اشتكى سكان إحدى القرى من المواد الرخيصة المستخدمة في أعمال الترميم قبل عامين مما أدى إلى مصرع 72 شخصا في حريق اندلع في المنطقة العام الماضي، ولكن الصحافة لم تعبأ بمخاوف السكان.
يضيف هاركر: «شعرنا أن هناك نقصاً فاضحاً في المعلومات في ما يتعلّق بالتغطية في المنطقة التي حددناها على أنها البقعة.. ويعتمد الناس على العالم العشوائي من فيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يمكن أن يكون فعّالاً، ولكنه لا يحمل السلطات المحلية المسؤولية».
كانت الشركات المحلية داعمة للصحيفة بقوة، وساعدت في تمويل اول إصدار لها، ويشير هاكر إلى أنه «وضعنا سعراً لتغطية النفقات فقط، وأقمنا اكشاكاً للتوزيع في الشوارع، وبالفعل وزعنا بضع مئات من النسخ، وأدركنا أن الناس يؤيدون الفكرة».

لكي تعيش الصحافة وتزدهر.. الإيرادات من القارئ بدل الإعلان

يقول دان كينيدي مؤلف كتاب جديد بعنوان «عودة المغول: كيف يعيد جيف بيزوس وجون هنري صياغة الصحف للقرن الحادي والعشرين» ان الانترنت هي مستقبل الصحافة.
وأوضح كينيدي، في مقابلة مع موقع «واف.نت» ان تحقيق الإيرادات من المشتركين، وليس من الإعلانات الرقمية، لا يمثل الصيغة المضمونة لتحقيق النجاح.
وحين طُلب منه التنبؤ بوقت اختفاء الصحف المطبوعة، أجاب كينيدي: «لو طُرح علي السؤال قبل 12عاماً، كنت سأقول أن الصحف المطبوعة ستختفي الآن، ولكنها ما زالت حية حتى الان، وتحقق الأرباح أكثر من الصحف الرقمية.. لذا، أعتقد أن الصحف المطبوعة ستظل موجودة طالما أن الناس مستعدون للدفع مقابل هذه الخدمة، سواء بالاشتراك أو الشراء المباشر».
وكشف كينيدي أن فكرة كتابه الجديد – وهو الثالث له – خطرت له في نهاية أحد الأسابيع من عام 2013. وذلك عندما أعلن جون هنري مالك شركة ريد سوكس عن رغبته في شراء صحيفة بوسطن غلوب، بعد ثلاثة أيام، وفعلا اتفق مالك أمازون جيف بيزوس على الاستحواذ على صحيفة واشنطن بوست. وقال كينيدي إن شراء أرون كوشنر عام 2012 لصحيفة أورانج كاونتي ريجستر أكد هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن التطورات الثلاثة عززت فكرة أن الأخبار المجانية على الويب لن تستمر.
فقد دفع هنري مبلغ 70 مليون دولار لشركة The Globe – وهو جزء زهيد من مبلغ 1.1 مليار دولار الذي دفعته صحيفة نيويورك تايمز لشراء الصحيفة عام 1993، واشترى بيزوس صحيفة واشنطن بوست مقابل 250 مليون دولار.

إبطاء موت الصحف!
لقد ساهم أصحاب الملايين في ابطاء موت هذه الصحف، ولكن كل منهم سلك طريقا مختلفا، فقد نقل بيزوس تركيز واشنطن بوست من النطاق الاقليمي إلى الوطني، وفي الوقت الذي كانت فيه «غلوب تراهن على الثورة الرقمية»، فقد وصل عدد اشتراكات صحيفة بوسطن الرقمية إلى نحو مئة الف، وتستهدف الوصول إلى مئتي الف. وفي حالة نجاح ذلك، فسينقل هذا النموذج قاعدة إيرادات الصحف الورقية من المعلنين إلى القراء.
وعندما سئل كينيدي هل سيظل قارئو الصحف من كبار السن، قال: «هناك مؤشرات على أن الشباب أكثر استعدادا لدفع ثمن الأخبار.. لقد اعتادوا على دفع ثمن الأشياء. واستشهد بـ Netflix وSpotify وApple Music كأمثلة». ومع ذلك، فإنهم لن يشتروا مجرد حبر على ورق.
وأضاف أن «الشباب يميلون إلى الحصول على الأخبار من هواتفهم تحديداً».

تجربة «الواشنطن بوست»

استثمرت صحيفة الواشنطن بوست بشكل كبير في التطبيقات الرقمية، على أمل اجتذاب المشتركين على المستوى القومي بدلاً من الاعتماد على سوق العاصمة واشنطن وحدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى