المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

ناصر المحمد: علاقتنا مع فرنسا مرتبطة بتكوين النهضة العربية

اعتبر سمو الشيخ ناصر المحمد أن علاقة العرب التاريخية مع فرنسا ارتبطت بتكوين وتشكيل النهضة العربية، لافتاً إلى أن مبادئ الثورة الفرنسية شكلت مصدر إلهام لكثير من المفكرين العرب.
واستقبل الشيخ ناصر المحمد في قصر الشويخ أمس، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرارد فيليب رينيه اندري لارشيه، والوفد المرافق له.
وأقام الشيخ ناصر، مأدبة غداء على شرف الوفد، وألقى خلالها كلمة رحب فيها بالوفد الذي يزور الكويت بدعوة رسمية من رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم.
وفي ما يلي نص الكلمة:
«يرتبط اسم فرنسا في تاريخنا المعاصر بحركة النهضة العربية، فلقد كانت فرنسا بمدنيتها وثقافتها ولغتها وثورتها مصدر إلهام لكثير من الرواد التنويريين العرب، فالمحاولات الأولى لبناء الدولة الحديثة في مصر، كانت تتخذ من فرنسا نموذجا تحتذيه، حتى بلغ بحكامها بناء القاهرة الحديثة وفق المعمار الباريسي، واستقبلت الجامعات الفرنسية الوفود الطلابية الأولى، والتي سجل بداياتها المفكران العربيان رفاعة الطهطاوي في مصر، وبطرس البستاني في سورية، وكانت مبادئ الثورة الفرنسية مصدر إلهام لكثير من المفكرين العرب في القرن التاسع عشر، وخاصة الأفكار المتعلقة بالحريات السياسية والديموقراطية والعقد الاجتماعي، والتي جاءت لتقتلع جذور الاستبداد والتسلط والطغيان، فمن وحيها ألفوا جمعياتهم، وأصدروا صحفهم، وكتبوا أدبياتهم، وحاربوا الاستبداد، ونادوا بالحريات، وطالبوا بالديموقراطية، حتى وصل التأثر بالثقافة الفرنسية إلى قيام حوارات داخل العالم العربي حول الحداثة والأصالة، تأثرا بفلاسفة عصر التنوير الأوروبي، وبعضها حوارات بين مفكرين عرب ومفكرين فرنسيين، كالمناظرات التي تمت بين الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، مع المفكرين الفرنسيين أرنست رينان وغابرييل هانوتو، ولم تكن التجرية الديموقراطية في فرنسا موضع إعجاب العرب وحدهم، بل هي التجرية الرائدة والملهمة لكل الديموقراطيات الحديثة في بقية العالم، وبالأخص في مجال الحريات السياسية، وطوال تلك الفترة التي احتك العرب فيها بالحضارة الغربية، كانت اللغة الفرنسية هي المفتاح الذي استخدموه للتواصل مع منجزاتها، فلقد استخدمها المثقفون للتعرف على الحداثة، واستخدمها الساسة في سلكهم الديبلوماسي، واستخدمها المشرعون لصياغة القوانين، ولقد كانت الفرنسية بالنسبة لي شخصيا هي إحدى اللغات الأساسية التي شكلت ثقافتي، إذ من خلالها أكملت مراحل تعليمي الجامعي، ولقد منحتني البعثات الديبلوماسية للدول الفرانكوفونية شرف الافتتاح السنوي لليوم العالمي للفرانكفونية بالكويت، وإلقاء كلمة بدء الاحتفال، ولهذا كله، فإن علاقتنا نحن العرب مع فرنسا، ليست مجرد علاقة مع دولة أوروبية كبرى فحسب، إنما هي علاقة مرتبطة بتكوين وتشكيل النهضة العربية.
السيد الرئيس
لم يعد سكان القرن الواحد والعشرين يكتفون بالأهداف التقليدية من الزيارات الرسمية المتبادلة، فالاهتمامات المشتركة بسلامة كوكبنا الذي نعيش فوقه جميعا، وصيانة بيئته، والحفاظ على سلامنا المشترك، صارت أهدافا لا تقل أهمية عن تعميق العلاقات الثنائية بين الدول، أو زيادة المصالح بينها، وهي أهداف تستدعي فتح المجالات أمام الشعوب ومجتمعاتها المدنية للالتقاء والتحاور، واكتشاف تنوعها وتعددها، والتعرف على القواسم الإنسانية المشتركة بينها، وأهم الوسائل لتحقيق ذلك هو التبادل الثقافي والفني والعلمي والتعليمي، ولهذا فإنني أؤكد على ألا تقتصر المباحثات الرسمية بين الدول على المسائل الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية فحسب، بل يجب أن تشمل الثقافة والفن والفلكلور والدين والتعليم.
السيد الرئيس
أود كذلك أن أذكر بموقف فرنسا المشرف إبان محنة احتلال الكويت، حيث أكدت الحكومة الفرنسية في بيان لها صدر خلال الساعات الأولى من الاحتلال على موقفها الثابت والمبدئي في إدانة العدوان، ومطالبة القوات العراقية بالانسحاب الفوري من الأراضي الكويتية، ومساندة طلب القيادة الكويتية دعوة مجلس الأمن إلى عقد جلسة فورا، ولم يقف دعم فرنسا للكويت في محنتها عند حد الإدانة أو الموقف السياسي الثابت، إنما كان لها دور عسكري ضمن قوات التحالف، إذ شارك ما يقارب 18 ألف جندي فرنسي في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، وتقديرا لهذا الدور قام الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح في أكتوبر عام 1991 بزيارة رسمية إلى باريس، أعرب خلالها عن شكر دولة الكويت حكومة وشعبا للموقف الفرنسي الثابت في دعم الحق الكويتي، والمساهمة الفعالة في حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي، وعلى النهج نفسه سار صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي توجه في نوفمبر 2006 إلى باريس في زيارة رسمية بعد توليه مقاليد الحكم جاعلا من فرنسا المحطة الأولى لزياراته ضمن المحيط الأوروبي، وأتذكر يومها، أننا وقتنا في الكويت، بداية بث محطة راديو فرنسا الدولي باللغة الفرنسية، على راديو FM بالإرسال مباشرة مع اللحظات التي تحط بها عجلات الطائرة التي تقل صاحب السمو، على مدرج مطار أورلي في فرنسا، في دلالة بالغة على عمق العلاقات بين الدولتين الصديقتين، والتي أكدها الجانب الفرنسي عندما قام الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2009 بزيارة رسمية إلى الكويت، عززت مفاهيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما عبرت بنفسي عن امتنان دولة الكويت، قيادة وحكومة وشعباً، إبان زيارتي الرسمية لفرنسا بدعوة من رئيس الوزراء فرنسوا فييون في أبريل 2010، حيث أكدت أن مواقف فرنسا هذه ستظل في ذاكرة الأجيال القادمة من أبناء الكويت، وأننا سنظل دائماً أوفياء لأصدقائنا الذين وقفوا معنا أيام محنتنا.
السيد الرئيس
في نهاية كلمتي، أود أن أكرر ترحيبي الشديد بكم وبأعضاء الوفد المرافق، مؤكدا بالغ اعتزازي بهذه الزيارة، وهي زيارة تعكس العلاقات الوثيقة بين بلدينا، والتي تقوم على التفاهم والاحترام المشترك، مع خالص تمنياتي لكم جميعا بالتوفيق والسداد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى