المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

هل يصمد التحالف القواتي – العوني حتى الانتخابات؟

تتسارع وتيرة التحضيرات العسكرية للجيش اللبناني للتخلص من تهديد مسلّحي «داعش» على الحدود الشمالية الشرقية للبنان، فالجيش على استنفاره ولا شيء يعكر تركيزه على المعركة التي يستعد لاطلاقها. حيث واصلت مدفعيته «القصف المتقطّع» على مواقع وتحرّكات ارهابيي «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع وبلدة الفاكهة، واستهدفت المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطوافات، عدداً من مراكز الإرهابيين وتجمعاتهم، وحققت إصابات مباشرة في صفوفهم.
في وقت واصلت عواصم القرار مدّ المؤسسة العسكرية بدعم مادي ومعنوي، يرتقب ان تتسلم مدرعات «برادلي» أميركية في الساعات المقبلة.
في المقابل، فإن الساحة المحلية بدت أمام تهديد سياسي لا يقلّ خطورة وقد يكون «الاقوى» الذي يواجهه العهد منذ انطلاقته، على خلفية اعلان وزراء في الحكومة عزمهم على التوجه الى سوريا بصفتهم الرسمية، ما اشعل سجالا داخليا عنيفا وضع «التفاهم» التي أنتج الانتخابات الرئاسية برمّته على المحك، وبدا من الصعوبة التكهّن في الحجم الذي ستأخذه القضية وتداعياتها على التحالفات السياسية خصوصا. حيث عقد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مؤتمرا صحافياً عصر امس، هو الثاني له خلال يومين، ما يؤشر الى مدى دقة الوضع وحراجته. فالتسوية التي قامت على أساسها الحكومة وجوهرهُا وضعُ الملفات الخلافية جانبا وجلّها استراتيجي، وتحييدُ لبنان عن الأزمات التي يشهدها محيطه، تتعرض لمحاولات كسر على يد «حزب الله» وحلفائه، حيث يرى الفريق الآخر الذي كان ينتمي إلى 14 آذار، ان الزيارات الى سوريا جزء من حملة أوسع لمحاولة تعويم النظام السوري المقاطَع عربيا ودوليا خدمة لمصالح فئوية وإقليمية، مشيرين الى ان المقارنة بين زيارات وزراء الى العراق والولايات المتحدة (…) وبين الزيارات المرتقبة الى دمشق لا تجوز. ذلك ان النظام السوري يفتقد الى مشروعية عربية وأممية من جهة، كما انه لم يعترف يوما بلبنان ككيان واعتاد ان يرسل اليه المتفجرات والسيارات المفخّخة لتعكير أمنه واستقراره، في اشارة إلى مخطّط سماحة – مملوك الذي تم فضحه. ورأت المصادر أن ثمة ضرورة ملحّة لإعادة الاعتبار الى النأي بالنفس والى المعادلة التي أرست الحكومة ووقف محاولات «التطبيع» مع دمشق، كونها تضربها في الصميم، وإلا فإن العواقب قد تكون وخيمة.

اتفاق معراب
في سجل العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر منذ توقيعهما ورقة «النوايا» قبل عامين الكثير من نقاط الاختلاف في الحياة اليومية السياسة، والقليل من التوافق في الملفات السياسية الكبرى. وفي كل مرة يتواجه الطرفان على ملف داخل مجلس الوزراء أو خارجه يخرج عرابا المصالحة المسيحية وزير الاعلام ملحم رياشي (قوات) والنائب إبراهيم كنعان (تيار) ليعلنا ان تحالفهما استراتيجي وثابت وانه قد يهتز لكنه لن يقع.
الاحتكاك «الكهربائي» الأول بين الطرفين حصل في جلسة الحكومة حين عارض وزراء القوات خطة وزير الطاقة العوني سيزار أبي خليل حول استجرار الطاقة عبر استقدام البواخر. وللمفارقة فقد سجل توافق وانسجام قواتي مع ممثل تيار المردة في الحكومة وزير الاشغال يوسف فنيانوس المعترض على الخطة. لتتوالى فيما بعد التباينات داخل الحكومة وخارجها. وقلما انتهت جلسة حكومية من دون تسجيل تحفظ لوزراء القوات، كما حصل في جلسة اقرار التشكيلات الدبلوماسية أو التعيينات الإدارية. حتى موضوع التأخر في تعيين رئيس مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان حمل اتهامات قواتية مبطنة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بأنه يعرقل التعيين للحصول في موازاته على موقع مدير الوكالة الوطنية.
ملف سياسي آخر يتعارض فيه الطرفان المسيحيان الأقويان، فبالرغم من إصرارهما على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، فإنهما يختلفان على مسار هذه العودة، إذ ترفض القوات أي تواصل مع النظام السوري وتطلب ان يكون التفاوض مع الأمم المتحدة، فيما لا يرى التيار أي مانع من مفاوضة النظام.
الخلافات التي بات من الصعب احتواؤها، حملت مصادر قواتية على وصف ما يحصل داخل مجلس الوزراء بسياسة العقاب، التي تمارس في حق وزراء القوات، وهم: غسان حاصباني (صحة ونائب رئيس الحكومة)، ملحم رياشي (إعلام)، وبيار أبو عاصي (شؤون اجتماعية)، لعدم قبولهم بمنطق المساومة أو الانصياع لرغبات البعض في ما يتصل بعدد من الملفات، ولتكشف أن وزير الصحة غسان حاصباني أعد ثمانية بنود لإدراجها على جدول أعمال مجلس الوزراء منذ مدة طويلة من دون أن يتمكن من طرحها إلى الآن.

الاستحقاق الانتخابي
إلى أين تتجه العلاقة القواتية ـــ العونية وسط تراكم الخلافات؟ وهل يصمد تحالفهما حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بعد بروز إشارت تقارب بين حزبي القوات اللبنانية والمردة (تيار سليمان فرنجية)، مما فسّرته أوساط عونية بأنه محاولة لحصار رئيس التيار جبران باسيل، وفرملة طموحه نحو قصر بعبدا، أم أنها ستكون محكا لاختبار قدرة «النوايا» على الصمود؟
يقلّل مصدر في القوات من تأثير هذه الخلافات على العلاقة «الثابتة»، ويؤكد أن المصالحة التي حصلت أدت إلى طي صفحة الخلاف الماضي، وما يحصل اليوم لا يتجاوز التباينات السياسية بين فريقين لكل منهما وجهة نظره في طريقة إدارة الدولة. ويميز المصدر القواتي بين مسألتين أساسيتين: أولاً: لا عودة للعلاقة إلى ما قبل المصالحة، وثانياً: إن التمايز هو من ضمن قوانين اللعبة السياسية، وتحت سقف التعاون المشترك، وبالتالي من يتوقع خلاف ذلك يكون مخطئاً، مشيراً إلى أن التمايز في ملف الكهرباء لا ينسحب فقط على التيار العوني، بل إنه يسري مع تيار المستقبل.
القوات ترى أن التباين أمر طبيعي، وهي تفصل فصلاً تاماً ما بين تحالفها السياسي وما بين ممارستها على مستوى إدارة الشأن العام، وهي تسعى إلى تقديم نموذج جديد للبنانيين في ممارسة الشأن العام مبني على الدستور والقوانين والمؤسسات الدستورية بمعزل عن الطريقة المتبعة منذ الانقلاب على الطائف.
وجود هذا الكم من التباينات «المشروعة» حول ملفات سياسية واجتماعية ولّد خشية لدى الرأي العام المسيحي الذي عوّل على هذه المصالحة لـ«استرداد حقوقه»، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة في ظل قانون انتخابي جديد يؤمل منه أن يوصل أكبر عدد من النواب المسيحيين بأصوات المسيحيين.
ويقول المصدر القواتي إن الانتخابات النيابية المقبلة قد تحصل على ثلاثة مستويات، «قد نتحالف مع التيار في جميع الدوائر، وقد لا يكون هناك أي تحالف في أي دائرة بين الثنائي المسيحي، أو قد يكون هناك تحالف في بعض الدوائر ومنافسة ديموقراطية في دوائر أخرى. فلكل طرف حساباته».
في المحصلة، يتبين أن التفاهم استراتيجي بين الثنائي المسيحي قد ترجم بثلاث محطات رئيسية: أولاها انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، ومن ثم في تشكيل حكومة بحد أدنى من التوازن خلافاً للحكومات السابقة، وأخيراً في إقرار قانون انتخابي جديد لم يكن ممكناً إقراره لولا التفاهم بين سمير جعجع وميشال عون.
وما تحقق حتى اليوم في علاقة التيار الوطني الحر والقوات في المحطات المفصلية تعتبره القوات ضرورياً، حفاظاً على الشراكة الإسلامية المسيحية، وحفاظاً على الميثاق اللبناني من دون أن يلغي ذلك المنافسة الديموقراطية، واحتفاظ كل فريق برؤيته للممارسة السياسية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى