المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

هل ذهب الأدب لمرحلة أبعد من تأريخ الغزو العراقي؟

 

مثل كل الأحداث الكبيرة التي تمر بها الدول والشعوب، أثر الغزو العراقي على الأدب الكويتي، وأصبح يمكن تصنيف هذه الكتابات بـ«أدب الحرب» أو «أدب الغزو». ولكن بعيدا عن الجانب التوثيقي نتساءل إن كان الأدب، وما كتب عن هذه المرحلة بشكل مباشر أو غير مباشر، قد أضاف رؤية عميقة لهذا الحدث المفصلي في تاريخ الكويت، تجاوزت رواية الحدث كتاريخ شخصي أو عام.

يقول الأكاديمي والروائي د. سليمان الشطي:
سؤال محوري لا تعطيه الإجابة المتسرعة والموجزة حقه، فثمة حقائق اساسية، أهمها أن هذا الحدث الكبير ترك أثراً على الأدب الكويتي غير معهود. لن أتطرق للشعر، فهو الفن الذي مثل ردة فعل اساسية لكل حدث غير عادي. وفيه من الأعمال ما تستحق أن ينظر فيها. ولكني سأحصر إجابتي بالرواية، التي كانت المعالجة الأدبية فيها حاضرة في ثلاثة مراحل أساسية:
الأولى بعده مباشرة، باعتبارها ردة فعل توثيقية، والثالثة تنفيسية مطلوبة، ثم تأتي محاولات استعادة مستمرة لهذا الحدث، وهذه لن تتوقف أو تنتهي.
إن هذا الانتاج بصورته التوثيقية والتنفيسية والاستعادية فيه الكثير من اللمحات الفنية العالية، تجدها في أعمال ليلى العثمان، واسماعيل فهد اساعيل في سباعيته، وليد الرجيب في «طلقة في صدر الشمال»، وحمد الحمد في عدد من أعماله، ورواية سليمان الخليفي «عزيزة»، وهي رواية معتنى بها لغة وأحداثاً ورؤية فنية متميزة تحتاج إلى صبر وعناية.. الخ. إن متابعة ذكر أسماء أعمال قد تتجاوز الحد المطلوب.
ولكن هل أثمر هذا الجهد الكبير والمتميز رواية أو عملا فنيا يتجاوز المستوى المعتاد، ليدخل في منطقة الخلود والتميّز، صعب أن نقول أن هذا تحقق، وتحققه مرهون بعمل غير عادي، يأتي في لحظة لا ندريها. وهذا هو المعهود في الاعمال الفنية، التي لا ترتبط بزمن معين، ونضرب أمثلة سريعة تليق بالمقام السريع نرى فيها أن الأحداث الكبيرة تظل ملهمة فنقول:
إن أهم عمل فني كتب يصور حملة نابليون على روسيا هو رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، كتب بعد أكثر من خمسين عاما. ومن أبرز رواية كتبت عن الحرب العالمية الأولى «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، كتبت بعد إحدى عشرة سنة من نهايتها، والحرب الأميركية كتبت رواية «ذهب مع الريح» بعد ما يقارب سبعين عاما وهكذا.
علينا أن نستمر في الكتابة وننتظر، فسيأتي عمل يكون علامة فارقة في تناول هذا الحدث الجلل.

الكتابة بكراهية
الروائية ميس العثمان قالت دور الأدب في التوثيق التاريخي مهم وأضافت:
هو حتماً دور من أدوار الأدب، أن يسجّل الأحداث التاريخية، ويعيد تمريرها بشكل عرضي ضمن سياق حكائي/ سردي محكم ومتزن، كنوع من توثيق لمرحلة خاصة في ما مرّ في تاريخ الشعوب والبلدان، ولعل الاحتلال العراقي لدولة الكويت في 1990 قد نال نصيبه من الحكايات الكثيرة ضمن سرديات كويتية، أنتجها عدد من الأدباء في الكويت، غير أني ومن خلال تفحصي القرائي، فإن المنتجات السردية التي كتبت بعد تحرير الكويت مباشرة كانت مشتعلة بالكراهية والحنق والصوت المتوتر للكاتب، وهذه حالة طبيعية جداً، أكثر من كونها فصّلت في الأحداث كنوع من حفظ التاريخ لأجيال قادمة لم تعايش الحدث، بينما جاءت الكتابات اللاحقة، التي أخذت وقتها في التروي والهدوء والغفران؛ أكثر اتزاناً ووعياً وأشمل رؤية. لقد تناولت سرديا موضوع الاحتلال العراقي للكويت بشكل مكثف كعصب للحبكة ضمن رواية لي حملت اسم «ثؤلول»، صدرت في عام 2015.
لكن برأيي ان أهم عمل تسجيلي دقيق كان قد كُتبَ عن هذه المرحلة الصعبة من حياتنا؛ هو سباعية «أحداثيات زمن العزلة» للروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، وهي حقيقة مرجع متين ومتزن لمن يود البحث والاستزادة والتعرّف على ما مرّ بالكويت وما مررنا به كشعب طيلة سبعة أشهر من احتلال موجع.

عجز عن رواية المأساة
الأديب حمد الحمد، أمين عام رابطة الأدباء الأسبق، قال إن الغزو العراقي للكويت لم يكن حدثا محليا فقط، انما حدث عالمي اهتز العالم بأسره له، وكان مأساة إنسانية، وأضاف:
لهذا لا اعتقد ان بإمكان الأدب ان يقدم رؤية ولو موجزة عنه، ورغم ان ادباء الكويت قدموا العديد من الاعمال، فإنها مهما كان الطرح، لن تتمكن من عرض كل ما جرى، وخاصة الجوانب الانسانية والصمود والتشرد والمعاناة اليومية في كل النواحي، عندما في يوم واحد تفقد ارضك واهلك ومنزلك ووطنك وعملك ومدخراتك، تجد من الصعوبة اي كلمات او جمل او أعمال سردية ان تصور ما حدث.
من المؤكد هناك أعمال، لكن لا اعتقد انها تصل الى مكانة ان تقدم ما حدث، لأن مشاعر الانسان والأديب في تلك اللحظات توقفت وعجزت عن ان ترسم بالحروف الحقيقة والمأساة.
وأنا شخصياً قدمت مجموعة قصصية بعنوان «ليالي الجمر»، صدرت بعد الغزو مباشرة في عام 1991، وبها رصدت مشاعر كويتيين كانوا صامدين تحت الاحتلال، وكانت صور موجزة، قد تقدم ملامح من الماسأة، وفي نفس العام تشرفت بلقاء أمير البلاد المغفور له الشيخ جابر الاحمد، في قصر بيان، ووجه لي بعض الأسئلة عن محتوى كتابي، ومن خلال اللقاء شعرت من حديثه عن ألمه الكبير من بعض الدول، التي لم تقف مع الحق الكويتي، رغم ان الكويت طوال تاريخها وهي تساند حقوق الاخوة العرب.

حاجز الصمت
إقبال العثيمين رأت أن الأعمال التي كتبت عن الحدث أقل منه بكثير وأضافت:
فغالبية ما كتب تطرق للحدث وانعكاساته على الكويتيين خلال سبعة اشهر فقط بالداخل، مع ان هذا الحدث يعتبر نتاج حرب الخليج الاولى والمدفوعة من الدول الغربية!
مثلا: لم يتناول الادب الكويتي حياة الكويتيين في الشتات وانعكاس الوضع عليهم، فجميع ما كتب تقريبا كان عن كويتيي الداخل وحياتهم تحت الاحتلال! لم يتناول الادب كذلك المشكلات التي واجهت الكويتيين بعد التحرير من جراء الغزو، ولا الحياة الكويتية قبل الغزو، اي خلال الحرب الايرانية ــ العراقية. لم يتطرق الادب بشكل خاص الى انعكاس هذه الحرب على الكويتيين طوال هذه السنين! فقد كان غالبية الكويتيين مناصرين لتلك الحرب، وكانوا يعلنون عن موقفهم هذا علنا، لان موقفهم ينبع من موقف الكويت الرسمي، اما المعارضين لهذه الحرب (إما لأسباب سياسية او طائفية) فلم يكن لهم صوت او منبر يعلنوا به رفضهم لتلك الحرب، لكون رأيهم مخالفاً للرأي الرسمي والعام في البلاد! هذه الحرب التي غيرت المعادلات السياسية في المنطقة، وكان لنتائجها الأثر في غزو الكويت.
قلّت الإنتاجات الادبية التي تناولت الغزو بعد عشرين عاما بالرواية والشعر، أما على خشبة المسرح فكان هامشيا، ولم يتطرق سوى للحدث وتأثيره اللحظي.
الاعمال الادبية الموجودة لجيلين مختلفين تقريبا، فمنهم من عاش الحدث وشارك به، ومنهم من عاش طفولته او بداية بلوغه خلاله. وجميع من كتب من الفئة الاولى كانوا في الداخل، والمفارقة ان غالبيتهم كان معارضا للحرب الايرانية ــ العراقية! وربما مع دخول الجيل الثاني لذلك الحدث سيكسر حاجز الصمت كعلامة مميزة لأبناء الجيل الأول لذلك «الحدث».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى